مقالات واراء

أبنــــاء ولكـــــن…

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم/ علاء الدرديري
برزت هذه الايام فجوة بين الجيل الحالي “جيل التقدم التكنولوجي” وبين الجيل القديم المتمسك بالقيم التي لم يعد لها وجود في عصرنا الحالي، وتأثرت الاجيال الحديثة واتجهة افكارهم وثقافتهم من الاسرة والود والتواصل الروحاني، إلي وسائل التواصل الاجتماعي حديثا، في ظل انفتاح اجتماعي وثقافي واسع وبالتالي رفض كل ما هو تقليدي وموروث، الامر الذي حل محل الاباء والاجداد في لغة الحوار، مما ادي الي تفاقم مسألة الصراع بين الاباء والابناء والعراك الطويل بينهم، لأن منهم من تمسك بعاداته وتقاليده وسار علي نهج الماضي، والجيل الآخر يريد مواكبة التطور واتباع كل ما هو حديث.

فالاجيال الحالية تعرفنا مدي الاختلاف بين الاجيال القديمة والحديثة، لان الاجيال الحديثة لديها تطلعات كثيرة، ويعتقدون أن كل ما يحتاجون اليه يجب ان يتوافر في اقرب وقت، فنجد العنف ينتشر بين الاجيال الحديثة بنسبة كبيرة، ويرجع ذلك الي إنتشار الالعاب الالكترونية التي يدمنها الصغار والشباب، والتي تحتوي علي مشاهد عنف من قتل وحروب، مما يجعلهم يتفاعلون معها بشكل كبير ويتأثرون بها دون وعي، ورغبتهم في تطبيق ذلك في واقعهم الفعلي مع الاصدقاء، بالاضافة الي أن الاجيال الحديثة ليس لديها قابلية للنصيحة ويتهمون أبائهم بالتخلف وعدم مواكبة الحضارة.

وتأثرت الاجيال الحالية تأثراً كبيرا من ناحية الملبس وقصات الشعر والسلوك واللغة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وسهولة تبادل الافكار وإقتدائهم بالشخصيات الغربية المشهورة علي حساب العادات والتقاليد.

فالتقدم التكنولوجي ساهم بجزء كبير في درجة الانحلال الاخلاقي وجعل العالم قرية صغيرة، ما أدى إلى بروز جيل شاب متمرد على العادات والتقاليد وفي الوقت ذاته متمرد على عائلته، حتي أن ما يبث علي شاشات التليفزيون أصبح مختلفا عن ما كنا نشاهده في الماضي، وبات يتضمن محتوي غريب يخرب عقول الشباب علي عكس هدفه في الماضي الذي كان وسيلة لنقل الثقافات ونشر القيم والعادات السليمة بين أفلااد المجتمع.

والاجيال القديمة بالرغم من تواضع امكانياتهم وغياب التكنولوجيا في عصرهم، إلا أنهم أثمروا العلماء واصحاب العقول النيرة، وكانت تعيش حياة بسيطة تتمثل في البيوت الصغيرة المتجاورة والتعليم البسيط ووسائل الاعلام المحدودة، وكانت البيوت مفتوحة للجيران بكل حب وترحاب لتمتعهم بصفة الامانة، وكان في الماضي للوالد والمعلم قدسية، اما الآن وصل الامر ان يعامل الابن والده كصديق، وتجاوز في الحوار والمناقشة وضياع هيبة المعلم.

والعلاقات بين الاجيال في الماضي كانت تتسم بالاحترام المتبادل وخاصة بين الابناء وابائهم، اما الآن اصبح التجاهل متبادل بينهم في الغالب، وكل منهم مشغول بقضاياه المتعددة واهمال الاباء للجيل الصغير الناشئ، معللين إنشغالهم بالسعي وراء الرزق لكي يوفروا لاولادهم المعيشة الكريمة علي الرغم انهم كانوا يعانون في الماضي من ضيق العيش.

فهذا الزمن حولنا الي كائنات تسابق الوقت، فافتقدنا طعم المناسبات ولم تعد للايام نكهة كما كانت في الماضي، حيث كان يجتمع الاهل ولاقارب والجيران امام البيوت وفي الاعراس وكانوا يعيشون كأسرة واحدة لاتفصل بين أفراده عوائق من التي استحدثها أجيال هذا العصر.

وبالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرًا من الناس قد فرط فيها، واستهان بأمرها، ولم يرعها حق رعايتها فأضاعوا أولادهم وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم، ولا يوجهونهم. وإذا رأوا منهم تمردًا أو انحرافًا بدؤوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف.

فقد يحدث أن يقوم أحد المدرسين أو المسئولين في المدرسة بتأنيب طالب من الطلاب أو عقابه، ثم يأتي والده وقد غضب غضبة، وبدلاً من الحوار مع صاحب الشأن وبدلا ان يكون ذلك بعيدا عن نظر الولد، نجده يطلق العبارات النابية ويتعدي علي الاستاذ او المسئول، ومن هنا تقل قيمة المدرسة وهيبة المدرس في نفس الولد، ويشعر بالزهو والاعجاب بالنفس، فلا يكاد بعد ذلك يصيغ السمع للمعلمين والمربين، فبعض الآباء يهمل منزله، ويمكث طويلاً خارجه، مما يعرض الأولاد للفتن، والمصائب، والضياع، والانحراف.

ومن مظاهر ذلك ما يلي:

أ- الاشتغال عن الأولاد بالبيع والشراء والتجارة، ولو عوتب الأب على ذلك لقال: إنما أعمل لأجلهم.

ب- السفر الطويل خارج البلد للعمل أو النزهة.

جـ- العكوف الساعات الطوال مع الأصحاب في الاستراحات والمتنزهات.

د- إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة، وسكن معها بمسكن جديد، فكم من الناس من يهمل بيته الأول إذا بنى بزوجة جديدة، فيضيع الأولاد، ويتشردون بسبب انشغال والدهم وبعده عنهم.

هـ – كثرة خروج الأم من المنزل إما للأسواق أو للزيارات، فكم في هذا الصنيع من إهمال للأولاد، وكم فيه من تعريض لهم للفتنة وكم فيه من حرمانهم من الشفقة والرعاية والعناية.

فالاباء لعبوا دور كبير في إهمال هذا الجيل ووفروا له كل سبل الراحة، وجعلوه يستخدم التكنولوجيا في التواصل الاجتماعي واهدار الوقت الفائض في حياتهم مع الخوض في الملزات وإشباع رغباتهم وطموحاتهم الشبابية، فينشأ الولد مترفا منعما همه خاصة نفسه فحسب،فلا يهتم بالآخرين ولا يسأل عن أقاربه ولا يشاركهم الافراح ولا يشاطرهم الاحزان، لذا نحن بحاجة إلي وضع الحلول وربط الجيل الحديث بالعادات والتقاليد الحسنة التي كان يتسم بها الجيل الماضي، وتوجيه الاستغلال التكنولوجي في المسار الصحيح لنصرة المجتمع والنهوض به.

Related Articles

Back to top button